AU - الشمري، محمد مطلق
AB - هدف البحث الحالي إلى تحديد الدور التربوي والتعليمي للأربطة في ضوء التراث الحضاري الإسلامي وتفعيله بالواقع المعاصر. وكانت أهم نتائجه ما يلي: 1) دعت التربية الإسلامية إلى التكافل الاجتماعي بصوره المختلفة، وتعددت مظاهر اهتمام المسلمين به، ومن ذلك إنشاء الأربطة كمحاضن تربوية على مدار التاريخ الإسلامي لتؤدي دوراً رائداً في مجالات الحياة المختلفة. 2) ظهور بدايات إنشاء فكرة الأربطة كمحاضن تربوية لإيواء طلبة العلم المتفرغين والغرباء والمنقطعين للعبادة والزهد منذ بدايات ظهور الإسلام في (دار الأرقم بن أبي الأرقم) بمكة المكرمة وقت بدايات الدعوة الإسلامية، حيث كانت هذه الدار مقراً لإلتقاء الغرباء وطالبي العلم والحقيقة، وكانت توفر مأوىً آمناً لهم، ثم انتقلت الفكرة إلى المدينة النبوية مع الهجرة، وخصص جزء من المسجد النبوي كرباط للمنقطعين والمتفرغين للعلم والعبادة يسمى (الصفة) في آخر المسجد، ووفرت للمنقطعين المأوى والمعيشة به، ثم من بعده ظهرت الدور المتعددة التي تطورت بعد ذلك إلى ظهور الأربطة كأبنية مستقلة لها طرازها المعماري المميز، ولها وظيفتها الحربية والاجتماعية والاقتصادية والعلمية والدعوية، والتي ساهمت في خدمة المجتمعات ونهضتها. 3) تعددت مسميات المحاضن التربوية والاجتماعية في الحضارة الإسلامية فظهرت مسميات مختلفة كالأربطة والخانقاوات والزوايا والتكايا وهِجر العلم وغيرها من الأماكن التي تتشابه في أداء دورها التربوي والاجتماعي، وهذا التعدد في المسميات فيه دلالة على اهتمام المسلمين بإنشاء هذه المحاضن في مختلف الأماكن وتعدد الثقافات واختلاف الشعوب والأعراق والأجناس والعادات، وأسبقيتهم في هذا الجانب الهام من إيلاء المحتاج الرعاية وتوفير المأوى له، وكذلك العناية بطلبة العلم والباحثين عن الحقيقة. 4) إن حصر سكن الأربطة على الصوفية وربط الأربطة بهم مسألة فيها نظر؛ لأن الأربطة أماكن متاحة لكافة أفراد المجتمع والغرباء وعابري السبيل والمنقطعين لطلب العلم والعبادة والرحالة والمرابطين في سبيل الله تعالى لحماية الثغور الإسلامية وغيرهم، وهذا لا يمنع من وجود أربطة خاصة بفرق معينة كفرق الصوفية وخاصة في الخانقاوات التي قد يبنى بعضها مخصوصاً للصوفية المنقطعين للتعبد على منهج طريقة معينة، وقد يخالطهم غيرهم من عامة الناس ومن بعض العلماء والطلاب في بعض الخانقاوات الأُخرى، فمن الخطأ حصر الأربطة على فرقة معينة وحرمان بقية أفراد المجتمع من الاستفادة منها ومن خدماتها. 5) حظيت الأربطة قديماً بدعم واهتمام وعناية من قبل الحكام والأمراء والتجار والموسرين، وخصصت لها الأوقاف الكثيرة والتي تدر عليها النفقات السخية، فكان للوقف الخيري دوراً رائداً في دعم الأربطة والنهوض بها واستمراريتها. 6) ظهرت أربطة خاصة بسكنى العلماء وطلبة العلم وكانت بمثابة منتديات لتبادل العلوم والمعارف والثقافات، وملتقى للعلماء والباحثين، وخصصت بها مكتبات عامرة، فكانت بيئة علمية تعليمية ثرية، هذا إضافة إلى أربطة قد خصصت لسكنى الفقراء والأيتام والمحتاجين. 7) تعددت وظائف الأربطة في ضوء التراث الحضاري الإسلامي ما بين وظائف عسكرية كإيواء الجنود المرابطين، ووظائف دينية كإيواء العُبّاد، ووظائف علمية كإيواء العلماء وطلبة العلم وتهيئة الجو العلمي لهم، ووظائف اجتماعية كإيواء المحتاجين والفقراء والضعفاء والعجزة، فكان لها دور شمولي في المساهمة في خدمة المجتمعات. يظهر للباحث أن الأصل في التعليم قديماً كان عن طريق النظام الداخلي، بحيث يمكث المتعلم طوال فترة دراسته داخل المدرسة أو في الأربطة المخصصة لطلابها، أو بالأربطة المحيطة والقريبة منها، فتكون التربية الإسلامية قد سبقت غيرها من التربيات الحديثة بالتأكيد على أهمية التعليم الداخلي، وتطبيقه تطبيقاً عملياً فعلياً في تعليم أبناء المسلمين على مدار التاريخ الإسلامي، وكان للأربطة إسهاماً كبيراً في إنجاح هذا النظام الداخلي للتعليم. 8) ظهور فكرة المدن الخاصة بالعلماء وطلبة العلم عند المسلمين في تاريخهم وحضارتهم منذ القدم، بإنشاء (هجر العلم)، والتي حوت على أربطة ومساكن خاصة بالعلماء وطلبة العلم، وشكلت تجمع علمي مميز، والتي سبقت ظهور فكرة المدن الجامعية المنتشرة بالعصر الحاضر. 9) إمكانية قيام الأربطة في العصر الحاضر بوظائف متعددة دينية وعلمية واجتماعية واقتصادية وثقافية، والاضطلاع بدور رئيسي في خدمة المجتمع واحتضان أفراده وتربيتهم التربية الإسلامية المتكاملة، وذلك استلهاماً من التجربة الإسلامية الرائدة للأربطة في ضوء التراث الحضاري الإسلامي، ولما قد أكدت عليه التربية الحديثة من أهمية وجود محاضن تربوية شاملة. وفي ضوء نتائجه فقد أوصى بما يلي: 1) ضرورة استلهام التجربة الرائدة للأربطة التي ظهرت من خلال تتبعها في التراث الحضاري الإسلامي، والحرص على نقلها للتطبيق في الواقع المعاصر، لما حققته من أهداف تربوية عديدة، ساهمت في النهوض بالحركة العلمية، وتعزيز التكافل الاجتماعي بين الناس، وعلى الجهات التعليمية والدعوية والاجتماعية أن تولي جانب الأربطة الأهمية اللائقة بها كمحاضن تربوية نافعة. 2) عدم قصر وظائف الأربطة على إيواء الفقراء والمحتاجين، بل لابد من توفير وسائل وسبل الاستثمار والعمل النافع بها، وتهيئة مرافق بداخلها، لتؤدي وظائف تربوية وعلمية ودينية ودعوية ورياضية وفنية وتقنية تخدم الساكنين بها والرواد لها، في ظل ندرة وجود المحاضن التربوية المتكاملة كالنوادي والمدارس المجهزة والمتكاملة في بعض الأماكن، وفي ظل غياب نظام التعليم الداخلي للطلاب الذي يكفل المتابعة المباشرة في معظم المدارس بالعصر الحاضر، فينبغي إنشاء الأربطة وتفعِيل دورها، لتغطي العجز والنقص في المؤسسات الأخرى. 3) الإسهام في جعل الأربطة بيئة منتجة؛ وذلك بتوفير وسائل الإنتاج، وتخصيص ورش عمل ومعامل، وساحات للعرض، وأماكن مخصصة لتسويق منتاجات سكان الأربطة وغيرها من المرافق لتساهم في العناية والرعاية لسكانها، وتوفير موارد دخل ثابتة لهم، ولتؤدي دوراً فعّالاً في إخراج الأفراد المنتجين العاملين الفعّالين،عكس الصورة النمطية المشتهرة عن الأربطة بأنها مأوى للعاطلين والعجزة وأصحاب العاهات والفقراء المعدمين. 4) تفعَّيل الأنشطة الدعوية والعلمية والاجتماعية المنوعة بين سكان الأربطة ومرتاديها، وتخصيص النفقات الكفيلة بها، والسعي لتكون الأربطة بؤرة لبث النور والصلاح والتوجيه، ومعقلاً تربوياً ومحضناً نافعاً، وأن تؤدي دورها الريادي التربوي في مجالات الحياة المختلفة، حتى تساهم في بناء المجتمع المتكاتف. 5) ضرورة تطوير واستثمار موارد الأوقاف الخاصة بالأربطة؛ حتى تؤدي دورها في الدعم المستمر، والحرص على إيجاد موارد أُخرى باستمرار؛ حتى تكسب الأربطة وإدارتها الاستقلالية، وتتوفر لديها الموارد الكفيلة بأداء أدوارها وإسهامها في بناء المجتمع. 6) استثمار الأربطة والزوايا المقامة في المناطق النائية كالصحاري والأماكن البعيدة من العالم الإسلامي، ودعمها، وتحويلها لمجمعات علمية تربوية توجيهية؛ لتبث الخير للناس، وتسد ما قد تعجز عن أدائه المدارس، ولابد من دعمها بشكل كبير بحيث يشمل مجمعها على كافة الخدمات والاحتياجات لسكانها، حتى تكون عامل استقرار لهم، ومقراً فعّالاً في الإصلاح والتوجيه والتربية والتعليم. 7) إنشاء مجمعات للأربطة بتصميم معماري حديث مميز لها، والحرص على توفير جميع الخدمات الضرورية للحياة الكريم بها، كتوفير المدارسِ والمساجدِ وعياداتِ التمريضِ والورشِ والمعاملِ والمحالِ والمكتباتِ وصالاتِ العرضِ والصلاتِ الرياضيةِ والترفيهيةِ ونحوها من المرافق المتنوعة، والحرص على أن تكون هذه المباني وأراضيها وقفية لا تبدل أو تُغير لغير صالح الأربطة، ويعتنى بأوقافها واستثمارها في المشاريع الحيوية الهامة، وأن توفر هذه المجمعات في إحياء المدن والقرى والمناطق النائية التي لا تتوفر بها المدارس لخدمة سكانها وتوفير عناء التنقل اليومي بحثاً عن المدارس، لما فيه من مخاطر، وتهيئ كافة الخدمات بهذه المجمعات لتؤدي دورها المنشود بالواقع المعاصر. كما اقترح ما يلي: 1) إجراء دراسات تفصيلية عن النظام المتبع في تنظيم الأربطة والخانقاوات في العصور المختلفة، ودراسة الطرق التي كانت تدار بها حلقاتها، ووسائل استثمار أوقافها، ونحوها من الأمور التنظيمية التي تعد إنجازاً من إنجازات المسلمين في العمل العلمي والدعوي والاجتماعي والاقتصادي المنظم. 2) عمل دراسات علمية عن نظام التعليم الداخلي الذي كان يسود في الأربطة، ودراسة عناصره ومقوماته وأسباب نجاحه وطرق تفعيله بالواقع المعاصر. 3) إجراء دراسات ميدانية عن واقع الأربطة بالعصر الحاضر، وتقييم خدماتها، والكشف عن مشكلاتها، والبحث عن سُبل كفيله بتطوير دورها بالواقع المعاصر. (الملخص المنشور) http://search.shamaa.org/abstract_ar.gif
OP - ص ص. 227-408
T1 - الدور التربوي والتعليمي للأربطة في ضوء التراث الحضاري الإسلامي وتفعيله بالواقع المعاصر [مقال]